عثمان ميرغني والغرب

بقلم: إبراهيم عثمان

من الحق في الفصل إلى الحق في النزع!

من موقعه كخبير في شؤون الغرب، والخارج عموماً، وكحكيم ( وسطي) كتب الأستاذ عثمان ميرغني مستنكراً صرف البركاوي لأصدقائه الغربيين.

ورافضاً النظر إلى الخارج (بمنظار الجمعية الخيرية التي وُجدت لتقدم المنح والهبات والقروض “التي لا تسدد” وربما الدعوات لزيارات خارجية مترفة وثيرة) أو ( بمنظار العدو المتربص الذي لا يحط أقدامه في مطار الخرطوم الا لانجاز مؤامرة ضد السودان أو سرقة موارده أو سيادته). 

التدقيق في الموقفين المستنكرين يكشف عن انحياز غريب وقوي للخارج لا يستطيع الأستاذ عثمان الفكاك منه حتى وهو يحاول أن يبدو موضوعياً ومتوازناً.

فالمقابلة المنطقية الصحيحة هي تلك التي تكون بين النظر إلى الغرب كعدو لا يبدر منه إلا فعل الشر لبلادنا.

وبين النظر إليه كصديق مخلص فوق الشك ولا ينبغي الاعتراض على أي تفصيلة من تفاصيل خططه في بلادنا.

لكن الأستاذ عثمان، وبفهلوة مكشوفة تماماً، صنع مقابلة بين موقفين كلاهما يصبان في مصلحة الغرب ولا يمسان صورته بأي شكل.

الأول هو ذلك الذي يريد عطاياه (المجانية)، والثاني هو ذلك الذي يشك في نواياه .

هذه الفهلوة التي تبرئ الغرب تماماً ليست مستغربة من الأستاذ عثمان ميرغني فهو تقريباً السوداني الأكثر إيماناً بالخارج، الغرب خصوصاً، ونواياه الخيرة للسودان.

وهو الصحفي الأكثر استشهاداً وإيماناً بأقوال السفراء والبرلمانيين الغربيين والأجانب عموماً التي يناجونه بها ويصورون بؤس حالنا ويقترحون المعالجات، ليتبرع بنقلها لنا كخلاصة الحكمة وفصل الخطاب.

حتى هذا المقال الأخير الذي يحاول فيه الظهور بمظهر الوسطي الحكيم الناصح لم ياتِ خالياً من انبهاره بالغرب وإيمانه العميق بحقه في التدخل، وبأن ذلك إذا حدث فنحن الملومون ولا يجب علينا مقاومته لا بالبركاوي ولا بغيره.

فالسودان (إذا ترك الأرض بورا تجري من تحتها الأنهار، دون أن يستغلها، في وقت يواجه فيه العالم أزمة غذاء كبرى تطرق الأبواب بشدة، فإن العالم سيتصرف بالطريقة ذاتها التي تتصرف بها مصلحة الأراضي بالسودان عندما تمنح شخصا قطعة أرض لاستثمارها وتمر السنوات دون أن يستغلها، فيصدر أمر بنزع القطعة..)!!.

الأستاذ عثمان ميرغني، حسب علمي، هو السوداني الوحيد الذي كتب مطولاً عن الدوافع الخيرة وراء عمل إسرائيل والغرب لفصل جنوب السودان، وتبرع نيابة عنهم بشرحها باستفاضة، وهذا تلخيص حرفي لدفاعه عن فصل الجنوب، وتنبؤاته لما سيؤول إليه الوضع: 

▪️(الإستراتيجية الدولية حول السودان لا تريد تفكيك الدولة الأكبر في إفريقيا، لأنّ ذلك يقلل من فرص السيطرة الفكرية على السودان).

▪️(استراتيجية إسرائيل تسمح لها بالتبرع مجاناً لوجه الله لإعادة استصلاح وتطوير مشروع الجزيرة – مثلاً-.. أو تطوير الزراعة المطرية في السودان لتنتج مائة مرة ضعف ما تنتجه الآن.. فالمطلوب هو السيطرة الفكرية لا الجغرافية). 

▪️ (الاستراتيجيات الغربية والإسرائيلية وبالتحليل المنطقي للواقع السوداني ترى أنّ “شمال السودان” يعاني من حالة اندثار المثال بصورة كاملة). 

▪️(لم يعد ممكناً افتراض إعادة هيكلة وبناء الوطن السودان من الداخل. فالمطلوب استخدام “واقع” خارجي يسمح بإعادة تأسيس الوطن السودان). 

▪️ (الفكرة بسيطة للغاية.. تأسيس دولة عصرية على جزء من الأرض السودانية، تصبح هي النواة التي تلتفت حولها – فهي المثال- بقية الأقاليم السودانية لتصنع الواقع الجديد). 

▪️ (فك جنوب السودان إلى حين.. ثم تركيبه مرة أخرى في الدولة الأم بعد أن تتغير وتتشكل أسس جديدة) . 

▪️ اختاروا الجنوب تحديداً للفصل لأن (الجنوب – سياسياً – بكر لم يتلوث بكثير من عقد الشمال). 

▪️فصل الجنوب (ليس طلاقاً بائناً بينونة كبرى.. بل مجرد فك مؤقت يعود بعدها إلى الوطن الأم لكن بعد إكمال عمليات التغيير المطلوبة). 

▪️(الإستراتيجية الدولية ترى أنّ (فك.. وتركيب) السودان هو الطريق الأصلح لتنفيذ التحوير الجيني المطلوب في السودان). 

▪️(ستتدفق الاستثمارات الغربية والأجنبية الأخرى على الجنوب من كل حدب وصوب.. وستحدث طفرة تنموية هائلة). 

▪️ (ستصبح دولة جنوب السودان، “دبي ” إفريقيا.. دولة مزدهرة اقتصادياً وجاذبة للاستثمار). 

▪️(وسيجد السودانيون في الشمال أنفسهم مصطفين – منذ الصباح الباكر- أمام سفارة (دولة جنوب السودان) في الخرطوم للحصول على تأشيرة عمل). 

▪️(ولن يستنكف شباب دولة السودان (الشمالي) أن يعملوا في هيئة النظافة في مدينة جوبا.. وعربات النفايات بل وفي نظافة المرافق الحكومية والشركات في جنوب السودان.. وربما حتى البيوت.) – أنظر لنوع الوظائف التي اختارها لنا، ولن يلومك أحد إذا فكرت في الدوافع النفسية لهذا الخواجة الأسود الامبريالي.

▪️ (ستتودد الدولة الأم في الشمال إلى شقيقتها الصغرى في الجنوب لتكسب ودها.. ومن هنا تبدأ رحلة العودة إلى الأصل.. إلى الوطن. لن تحتاج الوحدة بين الدولتين إلى اتفاقية “نيفاشا” جديدة).

▪️(الاستراتيجية الدولية أصلاً رسمت الدور بعناية تماماً كما تفعل مركبات الفضاء التي تنفصل في الجو ثم تلتصق بمنتهى الدقة. تبدأ رحلة العودة إلى الشمال.. وتندمج الدولتان). 

لقد افتقدت الغزوات الاستعمارية القديمة قلماً كقلم الاستاذ عثمان، فلا أظن أن كرزايات ذلك الزمان من الصحفيين قد سدوا مسده.

وكما يستحق الغربيين المتدخلين حالياً في شؤون السودان صرف كل أنواع البركاوي، كذلك يستحقه كل أذنابهم الذين يتبرعون بتجميل تدخلاتهم من أجل الانفصال.

ويدافعون عن (حقهم) في نزع أراضي السودان ليدفع السودان ثمن أزمة الغذاء التي نتجت عن صراعهم مع روسيا على أوكرانيا. 

زر الذهاب إلى الأعلى