عليكم الله نادو لي حنان «٣»
بقلم: د. علي الشايب أبودقن
معقب: ليت حنان لا تستمع لمناداتك
ما كنت أحسب أن مقالاتي المتواضعة حول سقطِ الغناء من خلال رمزية (عليكم الله نادو لي حنان).
وهذه الرمزية على سبيل المثال لا الحصر نتاجاً طبيعياً لتدهور شتى مناحي الحياة السودانية سيستنطق الكثيرين وقد وردتنا الكثير من الرسائل والاتصالات من قامات كبيرة معلقة سنفرِد مساحة لبعضها ونستميح البعض عذراً لقادمات الأيام إن كان فى العمر بقية ولهم إمتناني وشكري وخالص مودتي.
الرسالة الأولى :
عثمان السيد يكتب.. الروعة ليست صدفه… !!
الروعة أو فن الخطاب.. عطاء غير محدود وكسب ذاتي ومقدرة فائقة على إستلهام المشاعر والأحاسيس وإختيار متقن للمصطلحات وربط دقيق بين مفردات الحياه.
تجعل السامع والناظر والقارئ والمتلقي في لهف شديد للمتابعة وإمعان النظر والانتقال إلى عوالم الإيمان بمجمل القضايا الكونية.
التي تجعل من تواتر النظائر ثوابت ومن تماثل الاحداث قواعد ومن منابع الكلم العذب طمأنينة ومن دقة السرد شبقاً لرشف المزيد.
فهكذا دائما بالأدب الجم والحديث العذب والنظرة الثاقبة والمضاهاة والمقابلة تتفجر المعاني وتتفتح الأذهان وتتجمل الجماليات لتصل إلى مرتبة السحر.
فتصير لوحة متكامله خالية من الرذائل والعيوب وها هو شأن الأدب وصنيعه لذوي القلوب المترفة تماماً كما جاء ضمن مقال د. علي الشايب تحت عنوان نادوا لي حنان (2).. زنت بأدبك دلالك وأنت سحري..!!!.
ولكأنى حينما قرأت البيت قد فصلته تماماً على ما جاد به الأستاذ الفاضل من أدبيات سحر بها عقولنا وشابت لها رؤسنا حتى أيقنت ان الشيب متلازمة من متلازمات الكاتب.
عثمان السيد المحامى
الرسالة الثانية :
مقال تعليمي تذكيري تثقيفي سياسي فني اجتماعي، مقال شامل، لغة رفيعة.. وسرد جميل.. ومعلومات غزيرة.. من دكتور جميل.
شكراً يادكتور علي الشايب على هذا المقال الرائع الممتع ،، ونقول ليك:
ﺳﻼﻣﺎت ﻭﻳﻦ ﻧﺰﻝ ﻣﺤﻴﺎك ..
ﺗﺤﻴﺎﺗﻨﺎ ﻭﺃﻣﺎﻧﻴﻨﺎ ..ﺍﻛﻴﺪ ﺑﺎﻛﺮ ﻧﺠﻲ ﻭﻧﻠﻘﺎك..
ﻗﻤﺮ ﺑﺎﻫﺮ أﻣﺎﺳﻴﻨﺎ ..
ﺗﺒﻞ ﺷﻮﻕ اﻟﺒﻠﺪ ﺗﺮﺗﺎﺡ
على ﻧﻤّﻚ ﻏﻨﺎﻭﻳﻨﺎ ..
“ﻟﺪﺍﻳﺎت” ﺷﺎﻳﻚ الرﻣﺎي ..
ﻣﺰﺍﺟﺎت ﻗﻬﻮﺗﻚ ﺟﻮّﺍﻱ ..
ﺃﺣﺎﺳﻴﺲ ﻓﻴﻨﻲ ﺗﺘﺤﻜﺮ ..
ﺟﻤﺎﻝ ﻧﻴﻠﻨﺎ ﻭﻋﺼﺎﺭﻳﻨﺎ ..
ﻧﻀﺎﺭﻳﻚ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻴﻮﻥ ﺗﻈﻬﺮ ..
ﺑﺮﻳﻖ ﻟﻬﻔﺔ ﻭدﻣﻊ ﻫﻄّﺎﻝ.
د أبوالقاسم الفضيل المحامى
الرسالة الثالثة :
حنان بين مطرقة ثقافة دكتور /علي الشايب وسندان وضاعة أهل السنبلة والجرادة من تكون حنان هذه؟.
لقد حلقتَ بنا فى سموات الإبداع الثقافى وحدثتنا عن الأدب العربى الرصين والغناء السودانى الجميل وتاريخ سرقة الثورات والثروات.
وأبطال مجهولين دافعوا عن هذا الوطن إيماناً وإحتسابا ونالوا الشهادة ولم يذكرهم التاريخ إلا إتصالاً بربط الأحداث.
نتمنى أن لا تصل حنان قريباً حتى تتحفنا بمفرداتك ذات المدلول اللغوي والمضمون الشكلي والمفهوم الموضوعي ونزداد معرفة وثقافة.
مقال منتهى الروعة وتتدفق المعلومات الثقافية من بين كلماته متحدثة عن ثقافة الأدب والشعر العربي الحديث وتارة الشعراء والشعر الغنائى السودانى التليد وبيت القصيد السياسي السوداني الحصيف.
كل هذا يا دكتور علي لأن القيم كانت حاضرة فالقيم هي التي تحرس المجتمعات وعندما غابت القيم إنحطت المجتمعات في كل المجالات .
وفقك الله دكتور علي الشايب.
عبدالعظيم ميرغنى الزاهر
الرسالة الرابعة:
ليت حنان لا تستمع لمناداتك حتىّ تتحفنا بتلكم الكتابات الجميلة وتاخذنا بهذا الأسلوب الاخاذ الجميل إلى عوالم من الأدب والثقافة والفن فنجد أنفسنا في ضفاف بحر المعرفة.
فما بين المناداة الأولى والثانية طفنا في مسارح أدب ومعرفة وتجولنا في حدائق من الفنون فعقدنا حاجب الدهشة إستمتاعاً لروائع الكلمات وأنيق المفردات.
وما بين هذا وذاك كانت إشارات السياسة حاضرة
وناشت السهام من هو مقصود والرسالة في بريدهم قرئت فليت حنان لا تستجيب حتى ما نقرأهُ لا يغيب.. تقديرنا الجميل للنحيل د علي الشايب.
عبدالستار عباس
الرسالة الخامسة :
إتصال من الاستاذ الحبيب صبرى ساكن مقدم المحامى الذي تحمعني به محبةٌ في الله والزمالة وتفرقنا السياسة حيث ألح علينا مواصلة هذه السلسلة وتحت هذا العنوان وأوضحت له نخشى من الملل والرتابة ولكنه شجعنا للمسير.
وأغنية عليكم الله نادو لي حنان التى غناها المغني في أحد أيام عيد الفطرٍ الحزين والذي ليس فيه جديد.
وكيف يأتي بجديد وقد باء الشعب بالجوع والهلع والمسغبة وذاك أمر طبيعي دلالة على تسيد المشهد السياسي السوداني ساسة أقزام وأصبح السفح ملعباً لبغاث الطير من كل جنس.
ونستعير أبيات شعرٍ من قصيدة الشاعر والدبلوماسي السورى عمر أبوريشة:
أصبح السفح ملعباً للنسور
وأغضبى يا زرا الجبال وثورى
إن للجرح صيحة فأبعثيها
في سماء الدُنا فحيح سعير
ولم يدع ساسة وقادة عصر المسغبة والمذلة والهوان وبُغاث الطير للشعب سوى البكاء من أجل الوطن المحبوب.
ولعل الكاتب الجنوب أفريقي آلان باتون Alan Batton أفضل من صور ذلك فى روايته الخالدة cry the beloved country
وما على الشعب إلا اجترار ذكريات الرجال العظام حين كانت قطعة الخبز أبان الهياج وسريان روح القطيع ودعاية الكذب والنفاق واحد جنيه والدولار سبعة وستين جنيهاً.
وكان الرجل يصلي الصبح فى الخرطوم ثم يستغل البص ويصلي المغرب بفاشر السلطان لا يخشى إلا حوادث السير.
وحينذاك يستطيع والياً في دارفور مثل السلطان الدكتور كِبر من أن يمنع وزيرة الخارجية كونداليزا رايس من دخول دارفور إلا بإذنه دعك من فولكر الذى يفعل ما يريد بالسودان.
ولكن الله سبحانه وتعالى سيفعل ما يريد بفولكر وقادة عصر المهانة. والانكسار ورهطهم وسيعلم الذين ظلموا أي منقلبٍ ينقلبون.
وأغنية (عليكم الله نادو لى حنان) رمزية وتجسيد للواقع المأزوم الذي ألقى بظلاله على شتى مناحي الحياة ومختلف جوانبها.
وعمل على غسيل الأدمغة وهز أركان المجتمع وبنيانه الاجتماعي والقيمي بالتشويش والاختلاق والتدليس والتلبيس.
ولعل قوة هذا الهدم المادي والقيمي وقف حائط صد منيع أمام العديد من المبادرات الإصلاحية ولعل مرد ذلك أن اهل الرمادة والابتِزال يستمدون قوة دفعهم التخريبية عملاتٍ حرة من وراء الحدود وخلف أسوار السفارات حين تلاشت السيادة لدى قادة يفتقدون الإرادة وتقشعر جلودهم مع جزرة اليانكى وجبروت الفرنجة.
وفي عصر الرمادة والابتِزال وقف الدقير مخاطباً شعبنا العظيم حين أتته ربةِ شعرٍ عرجاء حيث قال السنبلة والجرادة والمجد للتروس والمجد للساتك.
والمَجد كما ورد في قاموس المعاني إسم وجَمعهُ أمجاد وهو النُّبْلُ والشَّرَف والمكارمُ المأثورة عن الآباء.
ونستنتج أن هذه الصفات للإنسان وليس للجمادات والمجد فى الكتب السماوية للذات الإلهية ونسب لسيدنا عيسى عليه السلام (المجد لله في الأعالى وفي الأرض السلام وبالناس المسرة).
وفي القرآن الكريم وردت كلمة مجيد (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ) والمجيد هي صيغة مبالغة ومعناها كثير المجد والتمجيد لكثرة صفات المولى عز وجل التي لا تحصى.
وأحسب أن المجد للتروس واللساتك هو تأصيل يساري علماني للجمادات من حجارة ولساتك صماء لا تعي ولا تسمع قول هذا البائس الفقير إلى الله أحد رموز عصر الرمادة والابتِزال.
كيف لا يكون عصراً للرمادة والسنبلة والجرادة والتروس واللساتك التي جلبت المآسي لبعضِ الأسر الذين مات مرضاهم على أعتابها وقد منعهم سدنتها من الذهاب إلى المشافي.
وليت الدقير قد سكت ولكنهُ الكبرياء الزائف والإستحمار الذي ضخم ذاتهم فظنوا إنهم بين ليلةٍ وضحاها سيحلون أماكن الرجال العظام ويمسحون تاريخهم بجرةِ قلم ولكنه حلول ليلٍ دامس بعد نهارٍ ممتع وجميل .
دعونا نقارن بين شاعر السنبلة والجرادة والمجد للتروس واللساتك وفنانيي عليكم الله نادو لي حنان وشعارات سدنة عصر الهوان السانات والراستات والواقفين قنا وشِعرهم مع إثنين من أفذاذ الزمن الجميل.
وذاك تجني كما قلت سابقاً لانعدام المقارنة والمقاربة ولكن دعونا نستمع لمطربٍ وشاعر ومُلحن.
إنه العندليب الأسمر صاحب الصوت البديع المتفرد صالح الضى أدم رمضان الذي ألف ولحن وغنى وتغنى لعدد من الشعراء عيش معاي الحب لإسحق الحلنقى وضاحك المقل لأدروب الشرق أبو آمنة حامد وأزهار المحبة لمحمد علي أبوقطاطى ودلال لبابكر عبدالرحمن.
ولكن دعونا نستمع إليه وهو يغني إحدى أغنياته حين هام به الشوق إلى أهله ومسقط رأسه :
يا طير يا ماشي لي أهلنا
بسرعة وصل رسايلنا
والشوق ما تنسى ياطاير لكل البسألك عنا
قوليهم عن عهدي ما زلنا ومازلنا
ذكراهم أنفاسنا ومشاغلنا
كيف حال بستانا وخمايلنا
وربوتنا ومجمع شمايلنا
أنا في انتظارك يا طاير
على نارى
وصل رسايلى ياطاير
أطرى المشاغل
وافرد جناحك ياطاير
ودعونا نقرأ قصيدة لشاعرٍ آخر مثقف ورجل قانون خريج كلية القانون جامعة الخرطوم وحاصل على ماجستير القوانين من جامعة لندن وعمل بالقضاء وتربع على رئاسة القضاء العسكرى وله العديد من القصائد.
لكن إحداهن من الشعر الفصيح تفشت وعمت القرى والحضر وذاك حين لحنها وغناها الفنان المثقف عبدالكريم الكابلي القادم من القضارف هذه المدينة الرائعة كروعة أهلها.
دعونا نستمع إليها لنخرج من رهق الرتابة والكآبة ومآسي السنبلة والجرادة والمجد للتروس واللساتك ونادو لي حنان التى غيرت الذوق وخلخلت الوجدان.. دعونا نشنف الأذان بالرائع من قصيد مولانا الحسين الحسن :
حبيبة قلبـي تفشـى الخبـر
وذاع وعم القـرى والحضـر
وكنت أقمت عليه الحصـون
وخبأته مـن فضـول البشـر
صنعت له من فؤادي المهـاد
ووسدتـه كبـدي المنفطـر
ومن نور عيني نسجت الدثار
ووشجتـه بنفيـس الـدرر
ومن حوله كم شددت الضلوع
فنام غريـرا شديـد الخفـر
ولكن برغمي تفشـى الخبـر
وذاع وعم القـرى والحضـر
حبيبة قلبي وهل كـان ذنبـي
إذا كنت يوما نسيت الحـذر
وفي ذات يوم شحيح النسيـم
كثير الغيوم طويـل الضجـر
ذكرت حديثك ذاك الخجـول
وصوتك ينساب منـه الخفـر
تقولين مـاذا تقوليـن ويحـي
وهل كنت أفهم حرفـا يمـر
فصوتك كان يهدهد روحي
ويحملنـي بجـنـاح أغــر
يحلق بـي حيـث لا أمنيـات
تخيـب ولا كائنـات تـمـر
وهومت حتى تبـدى أمامـي
ظلام رهيب كثيـف الستـر
وقفـت عليـه أدق الجـدار
فما لان هونـا ولـم ينشطـر
وعدت تذكـرت أن هـواك
حرام علـى قلبي المنكسـر
وما كنت انوي اقول الكثيـر
ولكن برغمي تفشـى الخبـر
وعم القصيدة ما كنت أخفي
وضمحهـا بشـذاك العطـر
حبيبة قلبي وهل كـان ذنبـي
اذا كنت يوما نسيت الحذر .
دعونا ننظر كيف إستصحب شاعرنا الحسين الحسن قيم المجتمع آنذاك وتقاليده وأقام حصوناً لكي لا يتفشى الخبر ولكن في عصر الانحطاط والساسة الأقزام وفى يوم عيدٍ حزين يبث التلفزيون إغنية من ينادي متلهفاً:
عليكم الله نادو لي حنان
حنان ما بدوها رمتالي
حنان بدوها تاجر إجمالي
(معقول ده كلام).
*محامي وأستاذ مساعد للقانون الدولي العام والدستوري