آراء

الرئيس البرهان.. التأريخ يخلد مآثر العظام

بقلم: د. على الشايب أبودقن 

مشاريع هدم السودان

تقول الرواية إن رجلا حكى للخليفة العباسى الثامن أبو إسحاق محمد المعتصم بن هارون الرشيد بن المهدى بن المنصور المتوفى بسامراء فى العام مئتين وسبع وعشرون للهجرة، أن إمرأة مسلمة تم سحلها وإهانتها فى بلدة زبطرة من نواحي عمورية فى بلاد الروم.

وفى رواية أخرى تم التحرش بها فإستغاثت (وا مُعتصماه) ولك أن تتخيل أن إمرأة مسلمة فى بلاد الروم تستغيث بالخلفية العباسى فى بغداد.

لولا سمعتهِ وما عُرف عنه من قوة الشكيمة وعدم التردد فى إتخاذ القرارات التى تحفظ للبلاد عِزتها وكرامتها.

فجهز لهذه الصرخة جيشاً عرمرم لغزو بلاد الروم وكتب إلى ملكها كتاباً بدأه بالقول (من أمير المؤمنين إلى كلب الروم) ومن ثم أعد العُدة للغزو تلبية لإغاثة المرأة المسلمة الملهوفة.

وقد حذر العرافون الخليفة المعتصم بأن الوقت غير مناسب وهى عادة المرجفين والمتخاذلين فى كل زمان ومكان ولهم ضروب وأدوات شتى.

ولكنه ضرب أرض الحائط بنبوءاتهم وإنتهت المعركة بهزيمة جيش الروم في معركة عمورية وتم أسر قائدهم.

وطلب الخليفة المعتصم إحضار المرأة صاحبة الصرخة والمستغيثة به لتشاهد من أذلها ذليلاً مكبلاً فى الاصفاد إمتثالاً لقوله (تلك الأيام نداولها بين الناس).

وما كان لمعركة عمورية أن تجد ما وجدته من الذيوع والشهُرة لولا أن الشاعر العباسى أبو تمام خلدها شعراً وكان يمكن أن تكون كغيرها من المعارك التى لم يغبر التاريخ سبرها ولكن الشاعر أبو تمام خلدها وخلد نفسه من خلالها حين قال:

السَّيْفُ أَصْدَقُ إِنْبَاءً مِنَ الكُتُبِ

في حدهِ الحدُّ بينَ الجدِّ واللَّعبِ

بيضُ الصَّفائحِ لاَ سودُ الصَّحائفِ

في مُتُونِهنَّ جلاءُ الشَّك والريَبِ
والعِلْمُ في شُهُبِ الأَرْمَاحِ لاَمِعَةً

بَيْنَ الخَمِيسَيْنِ لافي السَّبْعَة ِ الشُّهُبِ
أَيْنَ الروايَة ُ بَلْ أَيْنَ النُّجُومُ

وَمَا صَاغُوه مِنْ زُخْرُفٍ فيها ومنْ كَذِبِ
تخرُّصاً وأحاديثاً ملفَّقةً

لَيْسَتْ بِنَبْعٍ إِذَا عُدَّتْ ولاغَرَبِ

السيد الرئيس البرهان

لم يذل الأحباش إمرأة سودانية فقط وإنما قتلوا ستة جنود من القوات المسلحة وآخر مدنى وجلهم أسرى بدمٍ بارد.

وتم التمثيل بجثثهم على مرأى ومسمع من قطيعهم ضاربين أرض الحائط بقواعد القانون الدولى الإنسانى الذى ينظم الحرب.

من حيث حماية المدنيين وممتلكاتهم التى لا تستخدم وتستغل لأغراض التموين والتشوين والدعم اللوجستى الحربى وغيره.

وينظم حق الأسير وفقاً لإتفاقيات جنيف الأربعة ١٩٤٩م وبرتكولاتها الثلاثة وخاصة إتفاقية جنيف الثالثة وهى إتفاقية خاصة بشأن معاملة أسرى الحرب.

والتى أُعتمدت لأول مرة فى العام ١٩٢٩م وقد تمت مراجعتها بشكل أوسع وأصبحت ما عليه ضمن الإتفاقيات الأربع فى العام ١٩٤٩م.

وهذه الإتفاقية تحدد الحماية الإنسانية للأسير من سوء المعاملة والقتل ويعتبر أى سلوك منافى للإتفاقية إخلالاً وجريمة حرب تنظرها آليات القضاء الجنائى الدولى.

ولكن هذه الآليات ما كان يمكن لها أن تكون مزدوجة المعايير لولا وقوعها تحت براثن الولايات المتحدة الأمريكية والغرب.

فأصبحت أدوات لتطويع الدول التي تخرج عن سيطرتها بدلاً من دورها المنوط بها لتحقيق العدالة الدولية والحفاظ على الأمن والسلم الدوليين.

. السيد الرئيس البرهان

لايمكن قراءة الذى حدث ببلاد الأحباش بمعزل عن مشاريع هدم السودان منذ التغيير الذي حدث.

وعلى رأس رمح هذا الهدم أحزاب اليسار أو ما يعرف بأربعة طويلة والتى أعلنت ذلك صراحة وفى وضح النهار ودون مداراةٍ أو مواربة وتولت كِبرهُ.

وصرح كل قادتها بأن هدفهم تفكيك القوات المسلحة تحت دعاوى الهيكلة وعند إنهيارها حينئذ يستطيعون تمرير مشروعات من يقف وراءهم إحلالاً للفوضى ونشر كل ماهو ضد قيم المجتمع.

وقد ظهر ذلك جلياً حين تم تغيير المناهج التعليمية من قبل القراى وكذلك سلسلة مشروعات القوانين التى سنها عبدالبارى.

كل ذلك تمهيداً للفوضى الشاملة والخلاقة فهؤلاء مجرد أدوات وقطع شطرنج يتم تحريكها من قبل سادتِهم.

وما يلى مشروع هدم القوات المسلحة وبقية الأجهزة الأمنية فقد ظهر جلياً للعيان تحت شعار وهِتاف (معليش معليش ما عندنا جيش).

والتفتيش الموثق للضباط العظام حين الاعتصام وأمام قيادتهم فى منظرٍ تقشعر له الأبدان من قبل صبية لكسر الحاجز النفسى.

ورسالة للجنود والشعب مفادها هاهم قادة جيشكم ترون ما يحدث لهم ووصل الأمر لمحاضرة عضو مجلس السيادة الفريق أول شمس الدين وإساءته بألفاظ عنصرية.

وكان الهدف إستفزازه وهو بين حراسه ولولا صبره الجميل لحدثت فتنة كبرى يرمى ويهدف إليها من يقف خلف هؤلاء.

وحين الهياج لبيتم بعلمٍ أو دونه رغبات أهل الهدم بعزل القوات المسلحة عن محيطها المدنى وإحتياطيها وسندها وقت الملمات والمحن.

وحين ينادى المادى ألا يا خيل الله أركبي (الدفاع الشعبى) وليت الأمر وقف عند هذا الحد ولكن تم حل هيئة العمليات تلك القوات المدربة تدريباً جيداً ومتقدماً والتى صرف عليها السودان من قوت شعبه الصابر.

وتمت إقالة المئات من ضباط القوات المسلحة والشرطة والقضاة الأكفاء الشُرفاء ولن ينسى الشعب ذلك.

ورغم كل هذا لن ولم يرضى عنكم اهل الهدم ولن يرضون مهما قدمتم من تنازلات لأن سقفهم التخريبى أعلى من ذلك.

وحسبى أن هذه القرارات كانت برداً وسلاماً للعملاء واللفظ لم ندعيه وإنما سمعهُ الشعب السودانى منك ومن نائبكم سعادة الفريق أول محمد حمدان دقلوا مراراً وتكراراً.

ولكنى أتسآل كيف يتسنى للعميل أن يمشى حرُاً بين الناس ويقبع أصحاب الجُنح الصغيرة والأبرياء خلف السجون؟. 

السيد الرئيس البرهان والقائد العام للقوات المسلحة السودانية

لا يمكن قراءة مقتل هؤلاء الشهداء أيضا بمعزل عن تكالب دعاة الهدم ودعوتهم لتفكيك القوات المسلحة وجر البلاد لأنهار من الدماء فى الثلاثين من يونيو.

ولعل أهم الشواهد والقرائن هو التشكيك فى بيان القوات المسلحة عن الحادثة وهذا التشكيك جريمة كبرى تستوجب المساءلة.

حتى فى الولايات المتحدة الأمريكية نموذجهم السامى ومثلهم الأعلى فالوقوف مع العدو خيانة كبرى وجريمة فى كل زمان ومكان ولا يمكن التسامح معها وفقاً للقانون ولكن ذلك يحدث فقط فى بلاد السودان . 

إن أهم أدوات التشجيع لأحزاب أربعة طويلة هو سياسة التردد ومن المعلوم بالضرورة أن التراجع عن القرارات من أهم أسباب سقوط أنظمة الحكم.

وهنالك فرق بين التراجع والمراجعة فضلاً عن إستغلالِهم للدعم المادى والمعنوي من الدول التى تطمع في السيطرة على مقدرات البلاد وأدواتها.

ولعل فولكر بيريتس أحد أهم أدوات الدعم ومِعولاً يعمل بكل السُبل لجر البلاد إلى فوضى عارمة من خلال إنحيازه الواضح لهذه الفئة الباغية.

التى لن تفوز فى أى إنتخابات بلجنة شعبية فى أي حى من أحياء السودان دعك من رئاسة أو عضوية برلمان.

ولذلك يحاول فولكر تسليمهم السلطة موظفاً ضغوط تعلمونها والشعب يعلمها ولكنه معلم الشعوب لن يقبل ذلك ولن ينحنى.

لا ولن يتوانى رغم الإحن والمحن من الوقوف خلف قواته المسلحة تعضيداً لسلسلةٍ من الملاحم وصوراً للتلاحم حدثت بينهم على مر التاريخ قد وثقها وخلدها التاريخ ولن تقف سياسات التخويف حائلاً دون ذلك. 

السيد الرئيس البرهان

تحسس نبض وأشواق الشعب فالتاريخ يسجل مآثر القادة والأشخاص العظام ويطوى طى النسيان صفحات الضعاف عديمى المآثر والقُدرات الذين أوردوا بلادهم مواطن الردى.

فاختر يا سيادة الرئيس أى الصفحات التى تود أن تسجل بها نفسك فهما ككفتى الميزان تتأرجحان ما بين العلو والسقوط. 

والله من وراء القصد

*محامى وأستاذ مساعد للقانون الدولي العام والدستورى

زر الذهاب إلى الأعلى