اندلاع الحرب بين الجيش والدعم السريع.. خالد سلك يكشف التفاصيل المثيرة

كشف القيادي في “قحت1” خالد سلك تفاصيل مثيرة لأحداث ماقبل اندلاع الحرب بين القوات المسلحة والدعم السريع. 

وتنشر (متاريس) فيما يلي نص مقال خالد سلك الذي كتبه على حسابه الشخصي بعملاق مواقع التواصل الاجتماعي “الفيسبوك”.

ينصب كل اهتمامنا وجهدنا الآن للعمل على وقف هذه الحرب فوراً وبكل الطرق، ولكن في ذات التوقيت ينشغل طيور الظلام بنشر الأكاذيب حول حقيقة هذه الحرب ومسبباتها بالترويج لقصص مختلقة وساذجة، مستخدمين قاعدة قوبلز صوت اعلام النازية “اكذب اكذب اكذب حتى يصدقك الناس”.

يروج من يريدون اشعال نار هذه الحرب أو استغلالها لتصفية الحسابات الصغيرة مقولات على شاكلة أن اندلاع الحرب بسبب الاتفاق الاطاري.

أو ان الحرية والتغيير اتفقت مع الدعم السريع على انقلاب وكلها فرضيات مفرطة في السذاجة ولكن من يروجها يعلم ذلك.

فقط “بيركب وش كرتون” ويكرر الكذبة وتلتقطها شبكات منظمة ذات أغراض حتى تنتشر وتصبح رواية تراهن على سمكية الذاكرة والضغائن الصغيرة هنا وهنالك.

في هذا المنشور استعرض في نقاط بعض الحقائق حول الأزمة التي ظلت تتراكم رويداً حتى انفجرت، وقد كنا أول من نبهنا لها منذ سنوات.

وظللنا نحذر منها ووقتها كان البعض يقول لنا اننا نستخدم الحرب والانهيار كفزاعة لتمرير هذا الجند أو ذاك.

سامحهم الله فلو انتبهنا مبكراً وتجاوزنا الصغائر لكان بالامكان تجاوز هذه الكارثة الوطنية. الخص أدناه بعض الحقائق والأحداث والتطورات لتطوير فهم أشمل لما حدث وما يحدث الآن:

١- التوترات بين القوات المسلحة والدعم السريع ليست حديثة النشأة، فمنذ تكوينها كان هنالك موقف خافت لدى بعض قادة الجيش رافض لوجودها، وقد كونها البشير وجعل لها استقلالية عن القوات المسلحة لحماية كرسي السلطة الذي يتشبث به، فقد قسم الرجل المؤسسات الأمنية والعسكرية وظل يتلاعب على تناقضاتها ليقول أنا او الانهيار.

٢- عقب ثورة ديسمبر المجيدة وسقوط نظام الانقاذ الذي لعبت قوات الدعم السريع دوراً مهماً فيه، أصبح هنالك موقف معادي لها في أوساط عناصر النظام السابق لأن قائد الدعم السريع قد ساهم بفعالية في سقوطهم. استراتيجية الحزب المحلول الرئيسية عقب ذلك تجلت في صنع التباينات بين القوات المسلحة والدعم السريع واستثمارها، وزيادة التناقضات بين المدنيين والعسكريين واشعالها.

٣- في ٢٩ يونيو ٢٠٢٠ كنا شهوداً على أول أزمة بارزة بين قيادة القوات المسلحة والدعم السريع وحينها تمت الدعوة لاجتماع موسع بين مجلس السيادة ومجلس الوزراء والحرية والتغيير وكان بحضور الامام الصادق المهدي عليه رحمة الله.

ركز الاجتماع على نزع فتيل الأزمة، وخلص لتكوين مجموعة ثلاثية مصغرة لاعداد دراسة حول التباينات المدنية العسكرية والعسكرية العسكرية ومعرفة مخاوف ومصالح كل جهة وكيفية معالجتها، وقد أعدت تقريراً ضافياً حول هذا الأمر.

أذكر يومها عقب خروجنا من الاجتماع مازح أحد المدنيين واحداً من قادة المكون العسكري قائلاً “عليك الله لو قررتو تعملو انقلاب اتفقو ما تختلفو عشان ما تكسرو البلد”

٤- في بونيو ٢٠٢١ كان الدافع خلف مبادرة رئيس الوزراء “الأزمة الوطنية.. الطريق إلى الأمام” هو خلاف حاد اندلع بين القوات المسلحة والدعم السريع أدى لتحشيد عسكري ونذر مواجهة مسلحة.

تم تفاديها بلقاءات قادتها الحرية والتغيير ورئيس الوزراء وولدت المبادرة عقب ذلك والتي حملت رأي الطرف المدني كطرف ثالث ذو استقلالية وثقل داخلي وخارجي.

٥- عقب الانقلاب مباشرة انفجرت الخلافات مرة أخرى، وقد تواصلت قيادة الدعم السريع مع جهات عديدة في أيامه الأولى حاملة رسالة فحواها بأن الانقلاب تم بمشاركة عناصر من النظام البائد وأنهم لم يكونوا على علم بذلك.

التباين الذي حدث قاد لتوقيع اتفاق البرهان/حمدوك وقد أشار حينها د. حمدوك في خطاباته لهذا التباين كأحد المخاوف التي تهدد كيان الدولة.

٦- أدى هذا التباين لفتح حوارات عديدة بين المكون العسكري والقوى المدنية. كانت النقطة الرئيسية التي اثارتها قيادة القوات المسلحة هي تمدد الدعم السريع وازدياد استقلاليته خصوصاً عقب الانقلاب.

وكانت النقطة الرئيسية التي اثارها الدعم السريع هو دور عناصر النظام البائد في اثارة الفتنة بين القوات المسلحة والدعم السريع.

في كل هذه الحوارات كانت النقطة الأساسية التي تتمسك بها الحرية والتغيير أننا لن نكون طرفاً يؤجج الصراع بين القوات المسلحة والدعم السريع ولن نتحالف مع جهة ضد جهة لأن هذا الأمر سيشعل الحرب.

لذا فان طرحنا هو عملية سياسية شاملة للمدنيين والعسكريين تعالج كافة القضايا وعلى رأسها الإصلاح الامني والعسكري الذي يقود لبناء جيش واحد مهني وقومي.

وقذ أصدرت الحرية والتغيير بيان خط سياسي يحمل هذا المحتوى في فبراير ٢٠٢٢، وطورت مع فاعلين دوليين واقليميين بداية العملية السياسية لتلافي انهيار الدولة والحرب الأهلية وللعمل على استرداد المسار الديمقراطي.

٧- تطورت هذه المحاولات حتى أثمرت الاتفاق الاطاري الموقع في ٥ ديسمبر ٢٠٢٢. يروج بعض الناس بجهل أو بسوء نية بأن الاتفاق الاطاري هو السبب.

لأنه منح الدعم السريع استقلالية بتبعيته لرأس الدولة مباشرة وهي محاولة تضليل مكشوفة لأن تبعية الدعم السريع لرأس الدولة هو أمر اقره قانون الدعم السريع للعام ٢٠١٧ وليس أمراً مستحدثاً.

الاتفاق الاطاري تعامل مع هذه الحقيقة كنقطة بداية تحتاج لمعالجة وهو الوثيقة الأولى التي وضعت مبدأ دمج الدعم السريع في القوات المسلحة ووقعت عليها كل الأطراف بما فيها الدعم السريع.

بمعنى أن الوضع انذاك هو تبعية الدعم السريع للقائد الأعلى على أن يدمج كلياً في زمان معلوم في القوات المسلحة.

٨- لمزيد من الشرح للنقطة أعلاه … هب أن الاتفاق الاطاري لم يوقع في ٥ ديسمبر .. ما هو الواقع في اليوم السابق لذلك ؟؟

الواقع هو أن الدعم السريع كيان مستقل لا يتبع للقوات المسلحة ويتبع للقائد الأعلى وفق قانونه وقائده ذو وضعية دستورية “نائب الرئيس” وعلاقة القوات المسلحة والدعم السريع متوترة.

أي أن الاتفاق الاطاري جاء كحل للمشكلة وليس بداية لها. ثم أن هنالك نقطة مهمة لا يجب القفز عليها … تم توقيع الاتفاق الاطاري بين القوات المسلحة والدعم السريع والقوى المدنية.

فلنفترض ان الاتفاق الاطاري كان مشكلة!! كيف يحمل طرف أو طرفين هذه المشكلة ويبرأ طرف آخر .. يا لبؤس المنطق!

٩- بمجرد توقيع الاتفاق الاطاري جن جنون عناصر النظام البائد وبدأوا حملات مسعورة ضده، لا لشيء سوى انه سيغلق الباب أمام عودتهم للسلطة التي بدأت عقب انقلاب ٢٥ اكتوبر.

استخدموا شتى السبل لذلك منها الترهيب والترغيب. الترهيب ليس للمدنيين فحسب بل حتى للقيادة العسكرية التي وقعت الاتفاق، فقد وجهوا سهاماً عديدة للدعم السريع نسبة لموقفه المعلن المتمسك بالاتفاق.

واجتهدوا في تحريض القوات المسلحة عليه، وداخل القوات المسلحة شنوا حملات على القائد العام الفريق اول عبد الفتاح البرهان لتوقيعه الاتفاق، وحاولوا اثارة الفتنة داخل القوات المسلحة نفسها وبين القوات المسلحة والدعم السريع.

هذا أمر موثق ومكشوف ولا يحتاج لعناء لمعرفته .. فلنراجع كتابات كتابهم وخطابات متحدثيهم والتي هددت بالانقلاب والحرب والويل والثبور ولا يمكن مسحها من الذاكرة القريبة.

١٠- أسس الاتفاق الاطاري للمرة الأولى لمناقشة جادة حول قضية الاصلاح الأمني والعسكري، ومن المفارقات بأن من يتحدثون الآن عن توحيد الجيوش بالحرب فوراً

كانوا يزايدون على داعمي الاطاري قائلين من أنتم حتى تتحدثوا عن الإصلاح الامني والعسكري ووحدة الجيش وهذا أمر يجب أن يؤجل حتى تأتي حكومة منتخبة !!!!

تطورت النقاش تدريجياً حتى طرحت القوى المدنية الموقعة على الاتفاق الاطاري ورقة اسمها مباديء وأسس إصلاح القطاع الأمني والعسكري.

هذه الورقة ناقشناها مع قيادة القوات المسلحة والدعم السريع، وادخلت جميع إضافاتهم عليها وتم التوقيع عليها بتاريخ ١٥ مارس.

حسمت هذه الورقة المباديء الرئيسية لإصلاح القطاع الامني والعسكري والمدى الزمني للدمج ومراحله وأدوات الرقابة والمتابعة.

وتبقت قضية واحدة فقط هي شكل القيادة الموحدة التي ستنشأ فوراً حين توقيع الاتفاق، وكانت هنالك مقترحات عدة على طاولة النقاش ولجان فنية تعمل لحل القضية وخبراء محليين ودوليين يعملون على الوصول لانفاق حولها.

وهنا لو اعدنا البصر كرتين .. هل الخيار الأفضل لبلادنا كان متابعة النقاش حول هذه القضية للوصول لحل لها؟ أم اندلاع الحرب بكل تبعاتها الحالية؟

١١- في ذات الوقت الذي كنا نستعجل الخطى للوصول لاتفاق، كانت القوات المسلحة والدعم السريع تتحسب لاحتمال المواجهة العسكرية.

أعادت القوات المسلحة منسوبي هيئة العمليات للخدمة، وأحيت الدفاع الشعبي مرة أخرى، وقام الدعم السريع بحشد جنوده في الخرطوم، وأصبح هذا الأمر مهدداً حقيقياً مع تبادل الاتهامات.

لذا فقد عملنا ليل نهار على مدى أشهر في مناقشات لم تنقطع من أجل خفض التوتر ومحاولة بناء الثقة، في حين ظل عناصر النظام البائد ينفخون الكير وينشرون الفتنة، لأن همهم لم يكن منع المواجهة بل الدفع بها لانهم اصحاب مصلحة مباشرة هي تدمير العملية السياسية.

فرضية ان الحرية والتغيير هي التي دفعت لهذه المواجهة أو انها ساهمت في انقلاب هي فرضية ساذجة وبلهاء بمعنى الكلمة، فما هي مصلحة الحرية والتغيير في مواجهة تدمر العملية السياسية التي استثمرت فيها كل مقدراتها السياسية ؟؟

وكيف تكون الحرية والتغيير هي التي تريد المواجهة وهي التي اعلنت موقفاً رافضاً للحرب منذ ساعتها الأولى ولا زالت تعمل كل وسعها على نزع فتيل الفتنة؟ من يريد اندلاع الحرب والمواجهة هم من يؤججون نارها الآن ويعملون على زيادة رقعتها .. هذه بداهة لا تغيب عن أي عقل فطن.

اندلاع الحرب

١٢- قبل اندلاع الحرب بساعات خرجنا من اجتماع مع القائد العام للقوات المسلحة وقدمنا له ورقة بعنوان “تصور للخروج من الأزمة السياسية” تضع مقترحات محددة لتفادي الحرب.

وذهبنا في الثانية صباحاً للقاء قائد الدعم السريع، وتواصلت الاتصالات بالفريق أول شمس الدين كباشي حتى الثالثة صباحاً ومع القائد العام وقائد الدعم السريع حتى قبل اندلاع المواجهة،

وتم ترتيب اجتماع في الحادية عشر صباحاً للجنة يرأسها د. الهادي ادريس وعضويتها قائدي العمليات بالقوات المسلحة والدعم السريع.

من يريد شراً بهذه البلاد أشعل فتيل الحرب ودمر كل محاولات تفاديها!!

أخيراً … كل ما ورد أعلاه يوضح حقيقة أن الحرية والتغيير والقوى المدنية سعت وسعها لمنع نشوب هذه الحرب منذ سنوات وتعمل الآن على اخماد نارها،

وعمل على اشعالها النظام البائد منذ سقوطه ويعمل الآن على تأجيجها. مواقف الماضي والحاضر توضح بجلاء طبيعة هذه الحرب وأهدافها والقوى التي تقف خلفها وتعمل على استمرارها

إن همنا الآن هو وقف هذه الحرب اللعينة .. لن نمل من الدعوة لأوسع جبهة مدنية مناهضة للحرب، ولن نكل من مناشدة قيادة القوات المسلحة والدعم السريع لوقف القتال واختيار الحل السياسي السلمي خياراً اوحد.

لا نريد انتصاراً للذات أو الغرق في معارك صغيرة جانبية .. هذه الكتابة المطولة هدفها هو تثبيت الحقائق ومكافحة نشر الأكاذيب التي تهدف لشرعنة هذه الحرب. فلننصرف لما يفيد بلدنا وشعبنا وسيذهب الزبد جفاءاً بإذن الله ويبقى ما ينفع الناس.

خالد عمر يوسف
الخرطوم
٢٧ أبريل ٢٠٢٣

 

زر الذهاب إلى الأعلى