مفارقات حربية

لا يقيم المتمردون في مناطق “سيطرتهم” نماذج يتوفر لها أدنى قدر من الجاذبية التي تغري سكان المناطق الأخرى بالترحيب بتقدمهم إليها، أو على الأقل تقنعهم بأن تقدمهم إليها لن يكون أم الكوارث. هذا متوقع ومفهوم، لكن غير المفهوم أن يخاطب إعلاميو التمرد – كالمدعو عبد المنعم الربيع على سبيل المثال – المناطق الآمنة بلغة التهديد والوعيد، وبأن سكانها (سيرون من الدعم السريع عند وصوله إليهم ما لم يروا مثله من قبل)، وفي كذب فاجر مستفز يقول بأنهم (لن يحتاجوا إلى اغتصاب النساء لأنهن سيكن متاحات لهم، طوعاً ورغبةً، كما كان غيرهن في الخرطوم ومدني)!.

بدون تواجد للجيش في (بعض) المناطق، وبدون قتال معه، يحولها المتمردون إلى ساحات حرب إجرامية على المواطنين لا التزام فيها بأي قانون، حتى قانون الحرب، وتشهد القتل، والاغتصاب، والخطف، والسلب والنهب، والنزوح والتهجير، والتخريب الشامل، وتبدو وكأنها شهدت حرباً ضروساً أُستُعمِلت فيها أفتك الأسلحة! هذه (حقيقة مطلقة) يقوم كل خطاب قحت المركزي على فكرة تحويلها إلى (حقيقة نسبية) هامشية باهتة تكفي إزاءها الإدانات المتأخرة الباردة المصحوبة بدعوات التعايش!.

من شدة لصوصية ضباط وجنود الدعم السريع، والمرتزقة الأجانب، فإن اقترابهم من منطقة، يعني لكافة المواطنين، حتى القحاطة منهم، اقتراب الحرامية. ولهذا تحدث أكبر عمليات نقل وتخبئة للأموال.. لولا أن القحاطة مكابرون مدلسون، فإن (إداناتهم الباردة) المصحوبة بدعوات (التعايش) و(عدم المقاومة) كان يجب أن تفعِّل شعارهم (سلمية سلمية ضد الحرامية)، وتعطيه معنىً حقيقياً، ومعبراً تماماً عن موقفهم، وبعيداً عن النكاية السياسية وألاعيب الشيطنة!.

لا تأتي قحت المركزي على سيرة الحرب الأهلية والإثنية مقرونةً بأي قول أو فعل للمتمردين، ولا تحذر من تحول الحرب إلى حرب أهلية وإثنية عندما (يستبيح) المتمردون القرى الآمنة المسالمة، ويرهبون أهلها وينهبونهم ويفعلون بهم الأفاعيل، لكن بمجرد تفكير سكان هذه القرى في حماية أرواحهم وأعراضهم وأموالهم تبدأ العويل والتحذير من هؤلاء المواطنين (المجرمين أصحاب الأجندة السياسية) الذين يريدون (تحويل) الحرب إلى حرب أهلية وإثنية !.

أقوى وأظهر تجسيد لـ (جاهزية سرعة حسم): يأتونك في بيتك، يكسرون بابه بضربة صاعقة، وينتشرون (بسرعة) في أنحاء المنزل وبنادقهم مصوبة إلى الرؤوس، وأعينهم تنطق بالشر، و(جاهزيتهم) لقتل سكان المنزل ليست محل شك، يطلبون (بحسم) مفتاح السيارة إن كانت هناك سيارة،، ويطلبون الذهب والمال، ولا يقبلون أي زعم بعدم وجودهما، فتعطيهم المتوفر، وتسمح لهم بالتفتيش الدقيق ليتأكدوا من أنك لست لصاً قد خبأ منهم بعض الأموال !.

في مداخلة تلفزيونية قال مستشار الدعم السريع يوسف عزت (هناك تصخيم، فمن يحتلون البيوت لن يأخذوها معهم)، لن نبهت الدعم السريع ولن نتجنى عليه إن قلنا : لولا قوانين الطبيعة التي تمنعهم من أخذ الأرض والجدران ونقلها، لما ردعهم قانون، أو لجمتهم قيمة، أو منعهم مبدأ من أخذها، تماماً كما أخذوا محتوياتها !.

الفرق الأساسي بين عامة المواطنين وجماعة المركزي هو أن المواطنين قد اختبروا وعود الدعم السريع في هذه الحرب، ووصلوا إلى قناعة تامة بأنه كاذب في كل وعوده، خاصةً وعده بتأمينهم وحفظ أرواحهم وأعراضهم وأموالهم، بينما تركز قحت المركزي على وعده بتسلبمها السلطة، وترى أن مناط الحكم النهائي على الدعم السريع يجب أن يتركز على هذا الوعد!.

بقلم: إبراهيم عثمان

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى