إبراهيم عربي يكتب: دار أندوكا.. سلام

المعروف أن غرب دارفور تعتبر مثالا للتعايش السلمي والتصاهر المجتمعي تربطهم الجنينة (دار اندوكا) أما رءوما ، تلكم الجنينة التي تنسب إلي السلطان محمد بحرالدين (ندوكة) الذي حكم المنطقة في الفترة مابين (1910 – 1951) ، فكان لهذا السلطان الفضل في ترتيب البيت الداخلي لتأسيس نظام حكم أهلي قوي ومؤسس بدارفور بعد حروب طويلة ضد الجيش الفرنسي المستعمر ، وتقع المنطقة علي ضفتي وادي كجا وتعتبر من أجمل المناطق التي عرفت بجمال طبيعتها وإنسانها المتصالح المعطاء ، فكانت غرب دارفور من المناطق التي يشار إليها بالبنان أمنا وإستقرارا ، حيث عرف أهلها بالسماحة والأمان والاستقرار والتعايش السلمي ويعرف بإنسان غرب دارفور.
غير أن الفتنة دبت تشق طريقها وسط المجتمع بفعل شياطين الإنس والجن ، إختلقوها لإرضاء طموحاتهم تلبية لتطلعاتهم ، فكانت فتنة مدبرة وممنهجة لتمرير أجندة ليست لأهل غرب دارفور ناقة فيها ولا جمل ، فاندلع الإقتتال بصورة دموية مؤلمة راح ضحيتها أنفس بريئة ، إنطلقت من معسكر (كرندنق) للنازحين قبل أن تتمدد تلكم الأحداث بصورة سريعة ومزعجة ومؤلمة ساعدتها الشائعات لتنتقل لداخل حاضرة الولاية (دار أندوكا) ، طالت مواطنين أبرياء عزل في أنفسهم وأموالهم ، بلاشك إنها أحداث مؤسفة أرقت الجميع من أهل غرب دارفور بلا إستثناء حيث إستنكروها سلوكا دخيلا عليهم فتصدي لها نفرعزيز من أهلها لوأدها في مهدها ولكنها تركت جرحا غائرا لازال يحتاج للكثير من الجهود لردم الهوة.
خلفت الأزمة نزوحا إكتظت بهم المدارس والمؤسسات الحكومية والمساجد ومنازل الأهالي وغيرها داخل حاضرة الولاية في أكثر من (40) موقعا تقريبا يتجاوز تعدادهم (50) ألف نازح ، عطلت ديوان العمل في الدولة وشلت حركة الحكومة ، ولكن لماذا حدث ماحدث ولماذا التناحر ولماذا التنافر ولماذا الإحتراب والإقتتال ؟ قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع حينما نزل الوحي مبشراً (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً) فخطب رسولنا الكريم الناس فقال (يا أيها الناس : إن ربكم واحد، و إن أباكم واحد، لا فضل لعربي على عجمي ولا عجمي على عربي ، و لا لأحمر على أسود ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى ، إن أكرمكم عند الله أتقاكم ، ألا هل بلغت ؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال : فيبلغ الشاهد الغائب) ، فالإنسان إذا في الأصل واحد ومستخلف في هذه الأرض لإعمارها وليس لخرابها.
في الأثناء جاء غرب دارفور اللواء ركن دكتور ربيع عبد الله آدم واليا مكلفا عليها ، منطلقا من تلكم المنصة الإستخلافية مسلحا بالإيمان والعدل والحكمة ومفعما بالصبر وقوة الإرادة والعزيمة والشكيمة ، حيث جلس إلي الجميع شيبا وشبابا بمختلف آيديلوجياتهم وهم جميعهم شركاء في الوطن متدارسا معهم هموم المنطقة لا سيما الشباب سواعد المستقبل ، فالتف حوله الجميع لاجل الخروج بالمنطقة إلي بر الأمان ، فتعددت المبادرات لوأد الشائعات التي فتكت بالمجتمع كفعل النار في الهشيم .
أطلق الوالي مبادرة (خارطة طريق) مشتركة بين الإدارة الأهلية وحكومة الولاية لتجاوز المخاطر والخروج بالولاية الى بر الأمان وتحقيق الإستقرار والطمأنينة في المجتمع وتفويت الفرصة على كل من يسعى لزعزعة أمنها ، وشدد الوالي علي ضرورة المقاطعة الاجتماعية للمجرمين تعزيزا للمنهج أن (المجرم لا قبيلة له) ، وطالب الوالي بتسليم الذين يخرجون عن طاعة الإدارة الأهلية للسلطات ، وحذر الدكتور بشدة أن تكون الولاية ساحة لتصفية الحسابات السياسية.
وقد جاء الوالي غرب دارفور منطلقا من نظرة شمولية لتعزيز التعايش السلمي ، منطلقا من نظرة فاحصة للتركيبة السكانية لأهل الولاية من مساليت وعرب بمكوناتهم المختلفة وغيرهم ، فجميعهم متصاهرون ومتزاوجون وأهل لبعضهم بعضا ، وهم شركاء في الصحة والتعليم والماء والطرق والأسواق لقضاء إحتياجاتهم ، وبلاشك ان الأرض عندهم ليست مكانا للإحتكار بقدر ماهي منفعة للإعمار والتنمية والخدمات ، فخاطب الوالي وجدان الناس بهذا الهم المشترك لأجل السلام والإستقرار.
غير أن الاوضاع في غرب دارفور لازالت تحتاج للمزيد من تضافر الجهود لاسيما المنظمات الوطنية والدولية وجهود أبناءها من الإدارة الأهلية والشباب وفعالياتها المجتمعية وتفعيل دور المبادرات التوعوية التي تدعو للتعايش والقبول بالآخر لإعادة الناس إلي أماكنهم الأصلية لأجل الإستقرار والإنتاج ، فلازالت حكومة الولاية والأجهزة الأمنية تبذل جهود تلو الأخري لبسط هيبة الدول وفرض سلطة القانون وتذليل الصعاب أمنيا وصحيا وتعليميا وخدميا وليس أمام الجميع إلا التصالح والتراضي والعمل معا لأجل وضع مستقر وآمن في غرب دارفور.